"أصوات الشرق الجديدة":

قبل حوالي الثلاثة أشهر ثبتت النبوءة التي تعلن ظهور
فجر جديد للموسيقى العربية، فيبدو أن العالم العربي قد وصل إلى مرحلة
متقدمة من الملل من الأغاني التجارية التي كانت قد دخلت البيوت عبر كبريات
شركات الإنتاج العربية والتي تبيع الموسيقى بالجملة وتتعامل مع الموضوع
بشكل تجاري بحت.
وبينما يتقهقر عملاق إحدى شركات الإنتاج الرئيسية في وطننا العربي
الكبير(والتي أعلنت مؤخرا عن تخفيض أسعار الأسطوانات التي تنتجها بنسبة70
بالمائة تحت ذريعة محاربة القرصنة المنتشرة في العالم العربي)، يتحضر
عملاق آخر للنهوض والدخول إلى الساحة الموسيقية العربية ليحمل لهذا الوطن
الممتد موسيقى أصيلة ومؤثرة من تأليف موسيقيين جادين يكتبون قطعهم
الموسيقية من أجل الحياة والروح وليس من أجل حفنة من المال السريع.
ومن الشركات التي توزع اسطوانات لهذا الجيل من الموسيقيين المختلفين هي
شركة "فوروورد" اللبنانية و"إيقاع" التي تم إنشاؤها حديثا ومقرها الحالي
دبي بالإضافة إلى شركة "ألفا" اللبنانية الجنسية.وهناك أيضا شركة
"إنكوجنيتو" (Incognito) اللبنانية والمهتمة بشكل خاص بالموسيقيين
البديلين وقد بدأت منذ فترة وجيزة إصدار اسطوانات مدمجة ترويجية بعنوان
"أصوات الشرق الجديدة" للتعريف بكافة الموسيقيين العرب الذين تتعامل معهم
ممن يصنعون موسيقى إما تجريبية(إلكترونية وخلافه) أو موسيقى تلوح فيها
أصالة الشرق مع ملامح مزج موسيقي من مختلف الأنماط الموسيقية سواء كانت
غربية أم عربية.
معظم هؤلاء الموسيقيين هم ممن لا يلفتون نظر شركات الإنتاج التجارية
"بالجملة" لأنهم على خلاف سوق الترفيه الذي تشجعه الفضائيات لا يلبسون
الملابس الاستعراضية ولا ينتجون الفيديو كليبات ولا يتغنون بكلمات تفتقر
للمعنى. هم عادة ينشغلون بتأليف موسيقى تعبر عنهم كشباب يتطلع إلى النهوض
بنفسه وبوطنه من خلال تشكيل لوحات موسيقية فنية ذات عمق إنساني وقدرة على
استنطاق دواخل الإنسان.
في الاسطوانة التي أمامي والتي بعنوان "أصوات الشرق الجديدة" نجد
مقطوعات موسيقية لموسيقيين من مختلف أقطاب العالم العربي مثل فتحي سلامة
من مصر – وهو العربي الوحيد الحائز على جائزة "جرامي أوارد" العالمية
للموسيقى(International Grammy Award) – ومروان عبادو من فلسطين ونسيم
الشرق من لبنان وفرقة مسار من مصر والمغني زياد أحمدية مع فرقة "فن جان
شاي" من لبنان وغيرهم. وفي إطلاق خاص بعنوان "أصوات الشرق الجديدة - من
سورية" هناك قطع موسيقية بمهارة عظيمة لفريق "حوار" السوري بقيادة كنان
العظمة وعصام رافع، ومقطوعات أخرى للينا شماميان وإطار شمع وأنس وأصدقاؤه
ولغزوان زرقلي مع المغنية ذات الصوت الأوبيرالي العالي ديما أورشو.
إن هذه الأصوات تكتسح الوطن العربي من أقصاه لأقصاه رويدا رويدا على
أيدي موسيقيين مختلفين لتتأكد نبوءة أن العالم العربي سيشهد قريبا خلال
الخمسة الأعوام القادمة نهضة لموسيقيين كانت قد أهملتهم آلة صناعة الترفيه
والتفاهة لفترة طويلة من الزمن. من خلال أصالتهم وعشقهم للموسيقى، أثبت
هؤلاء وجودهم في مهرجانات موسيقية متعددة بدأت تحتفي بهم منذ فترة بسيطة
وتساعدهم على الانتشار ضمن أوساط الشباب الذي مل سماع الأغاني السريعة من
دون نكهة أو طعم إنساني حقيقي.
موسيقيون شرقيون مستقلون بنكهات مختلفة
تجد على سبيل المثال أن في المغرب تتردد هذه الأيام أغان للشاب بيج
(Big) والذي قد تمكن من توظيف موسيقى الهب هوب والراب من أجل التعبير
عن قضايا محلية واجتماعية مغربية بأسلوب ثورجي يروق للشباب ممن أحسوا بأنه
يعبر عن همومهم، مع العلم بأن موسيقى الراب قد انطلقت أصلا من خلال
موسيقيين غربيين من الشارع كان همهم التعبير عن الاضطهاد الذي تعيش فيه
مجتمعاتهم خصوصا المتحدرة عن أصول إفريقية. وفي إحدى أغانيه التي كان لها
صدى كبير السنة الماضية بعنوان "الخوف"، يعلق فيها "بيج" على أحوال أمته
ويقول فيها:"هزوا رؤوسكم يا اللي مغاربة، أحرار وبركة من الخوف... هزوا
إيديكم معايا يا اللي في قلبكم ما كانش الخوف... نخاف من البوليسي، ونخاف
من الجماعة، ونخاف من اللي عنده فلوس... تخافوا من كل شي (لكن) ما تخافوا
من الله".
وفي مصر هناك فرقة "نغم مصري" والتي تلحن أغاني لأحمد فؤاد نجم
والمعروف بكتابته للأشعار الشعبية بنفس لاذع وتوجه يساري والقريب إلى
الفكر المتحرر منه من الفكر المتزمت. وهناك أيضا فرقة "افتكاسات" المصرية
للجاز الشرقي والتي تعيد طرح مفردات اجتماعية مصرية سائدة في قالب من
موسيقى الجاز لترقى بذلك إلى مستوى الموسيقى العالمية التي تحاور فيها
الثقافة الشرقية ثقافات العالم الغربي.
في فلسطين هناك فرقة "الهب هوب"(hip hop) الثائرة على الظلم الإسرائيلي
من شباب عرب 48 والملقبين بـ"دام" (Dam) والمازجين للألحان العربية مع
موسيقى الراب الغربية بنكهة مختلفة تماما عن الموسيقى التي يصنعها "بيج"
المغربي. ولهم أغنية انتشرت من وقت قريب بين صفوف الشباب يخاطبون فيها
دولتهم إسرائيل على لسان إخوتهم الفلسطينيين من عرب 67 وغزة ويقولون
فيها:"مين إرهابي؟ انت إرهابي! مين إرهابي؟ أنا إرهابي؟؟ كيف إرهابي وأنا
عايش ببلادي؟ ... ماكلني وأنا عايش ببلادي، قاتلني زي ما قتلت أجدادي".
إن حركة المقاومة الموسيقية المبطنة التي بدأتها فرقة "دام" قد أخذتهم
إلى أنحاء المعمورة فلديهم عروض موسيقية في بلاد العالم الغربي وأوروبا
بشكل مستمر حيث أصبحوا هم سفراء القضية الجدد ممن لا يحملون شعارات ولا
سياسات بل كلمات وألحان تدخل القلوب وتحركها.
ولكل من الموسيقيين آنفي الذِكر شركات إنتاج مختلفة وشركات توزيع ذات
علامات تجارية من ضمنها "إنكوجنيتو". ما يجمع هؤلاء الموسيقيين هو القدرة
على التغيير الاجتماعي أو التغيير الروحي وأضعف الإيمان تغيير الذائقة
الفنية وتحويلها نحو أنواع أصيلة من الموسيقى التي لها هدف ومعنى. هؤلاء
هم مستقبل الموسيقى في الوطن العربي الكبير وهؤلاء هم من سينهضون بنا من
السبات الحضاري الذي نحن فيه ويحملوننا إلى غد أثرى ثقافيا وأعمق معنى من
أغاني الفساد النفسي الرهيب التي مانزال نتعرض لها.
للتعرف على أغاني فرقة دام من عرب 48: www.myspace.com/damrap
أغاني المغربي "بيج": www.myspace.com/biggthadon
فرقة افتكاسات المصرية للجاز الشرقي: www.myspace.com/eftekasat